فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَالشَّمْسِ وضحاها (1)}
التفسير:
قال النحويون: إن في ناصب {إذا تلاها} وما بعده إشكالاً لأن (ما) سوى الواو الأولى إن كن للقسم لزم اجتماع أقسام كثيرة على مقسم به واحد وهو مستنكر عند الخليل وسيبويه، لأن استئناف قسم آخر دليل على أن القسم الأول قد استوفى حقه من الجواب فيلزم التغليظ، وإن كن عاطفة لزم العطف على عاملين بحرف واحد وذلك أن حرف العطف ناب عن واو القسم المقتضي للجر وعن الفعل الذي يقتضي انتصاب الظرف. والجواب أنا نختار الثاني ولزوم العطف على عاملين ممنوع لأن حرف العطف ناب عن واو القسم النائب عن الفعل المتعدّي بالباء، وكما أن واو القسم تعمل الجر في القسم والنصب في الظرف إذا قلت مثلاً ابتداء {والليل إذا يغشى} [الليل: 1] لقيامه مقام قولك (اقسم بالليل إذا يغشى) فكذا حرف العطف النائب منابه نظيره قولك (ضرب زيد عمراً وبكر خالداً) فترفع بالواو وتنصب لقيامه مقام ضرب.
قال بعض المتكلمين: المضاف في هذه الأقسام محذوف تقديره ورب الشمس إلى آخرها. وزيف بلزوم التكرار في قوله: {وما بناها} وما بعده. وأجيب بأن (ما) في {وما بناها} وما بعده مصدرية. واعترض عليه في الكشاف بأنه يلزم من عطف قوله: {فألهمهما} على قوله: {وما سواها} فساد النظم فالوجه أن تكون (ما) موصولة. وإنما أوثرت على (من) لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل: والسماء والقادر العظيم الذي بناها، ونفس والحكيم الذي سواها، على أنه قد جاء (ما) مستعملاً في (من) كقولهم (سبحان ما سخركن لنا). أما الذين لم يقدروا المضاف فأورد عليهم أنه يلزم تأخير القسم برب السماء وبانيها عن القسم بالسماء. والجواب أن الله عز قائلاً أراد أن نتدرج من المحسوسات إلى المعقولات ومن المصنوعات إلى الصانع، ولا يخفى أن المحسوسات أظهرها هو الشمس فذكرها سبحانه مع أوصافها الأربعة الدالة على عظمتها. فأول أعظم الأوصاف الضوء الحاصل منها عند ارتفاع النهار، وثانيها تلو القمر لها غاية في منتصف الشهر أو تلوه لها في أخذ الضور عنها أو في غروبه ليلة الهلال بعدها قاله قتادة والكلبي.
وقيل: في كبر الجرم بحسب الحس وفي ارتباط مصالح هذا العالم بحركته. والثالث والرابع بروزها لمجيء النهار واختفاؤها لمجيء الليل. ثم ذكر ذاته المقدسة وعقبه بأنواع تدابيره في السماء والأرض وفي البسائط وما يتركب منها وأشرفها النفس. ولنشتغل بتفسير بعض الألفاظ.
قال الليث: الضحو ارتفاع النهار والضحى فوق ذلك. والضحاء بالمد إذا امتد النهار وقرب أن ينتصف. و{تلاها} تبعها بإحدى المعانى المذكورة، والتجلية الكشف والعيان. والضمير في {جلاها} للشمس في الظاهر على ما قال الزجاج وغيره، لأن النهار كلما كان أصدق نوراً كانت الشمس أجلى ظهوراً فإن الكشف والعيان يدل على قوة المؤثر وكماله لا قوة الأثر وكماله، فكان النهار يبرز الشمس ويظهرها. وذهب جم غفير إلى أن الضمير يعود إلى الظلمة أو الدنيا أو الأرض بدلالة قرأئن الأحوال وسياق الكلام، ولعل الوجه الأول أولى لأن عود الضمير إلى المذكور أقرب منه إلى المقدر، ولأنه يلزم تفريق الضمائر في {يغشاها} للشمس بالاتفاق وكذا في {ضحاها} و{تلاها} ولأن غشيان الليل الشمس عبارة عن ذهاب الضوء وحصول الظلمة بسبب غيبة الشمس في الأفق، فكذا تجلية النهار إياها يجب أن تكون إشارة إلى كمال الضوء وظهوره للحس بواسطة ظهور الشمس فوق الأفق. والحاصل أن الذهن كما ينتقل من عدم الأثر إلى عدم المؤثر فجعل كأن لعدم الأثر تأثيراً في عدم المؤثر، فكذلك ينتقل من وجود الأثر إلى وجود المؤثر فيصح أن يقال: إن وجود الأثر علة لوجود المؤثر وهذا معنى كون النهار مجلياً للشمس. والطحو مثل الدحو وقد مر في (النازعات) أي بسطها على الماء. وتنكير النفس إما للتنويع أي نفس خاصة من بين النفوس وهي النفس القدسية النبوية التي تصلح لرياسة ما سواها من النفوس، وإما للتكثير على الوجه المذكور في قوله: {علمت نفس ما أحضرت} [التكوير: 14] وتسويتها إعطاء قواها بحسب حاجتها إلى تدبير البدن وهي الحواس الظاهرة والباطنة والقوى الطبيعية المخدومة والخادمة وغيرها {فألهمها فجورها وتقواها} قالت المعتزلة: هو كقول {وهديناه النجدين} [البلد: 10] أي علمناه وعرفناه سلوك طريقي الخير والشر ويعضده ما بعده {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} والتدسية ضد التزكية. وأصل دسي دسس قلب أحد حرفي التضعيف ياء كما في (قضيت). والتدسيس مبالغة الدس وهو الإخفاء في التراب قال عز من قائل: {أم يدسه في التراب} [النحل: 59] والضمير في (زكى) و(دس) لـ: (من) وقال أهل السنة: الضمير أن لله تعالى و(من) عبارة عن النفس والمعنى: قد سعدت نفس زكاها الله تعال وخلقها طاهرة، وخابت نفس دساها الله وخلقها كافرة فاجرة.
وقد يروى هذا الوجه عن سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومقاتل والكلبي قالوا: أصل الإلهام من قولهم (لهم الشيء والتهمة) إذا ابتلعه و(ألهمته إياه) أي أبلعته ذلك. فالإلهام الإبلاع أي وضع الإيمان في قلب المؤمن والكفر في قلب الكافر. ثم وعظهم بقصة ثمود لقربها من ديارهم. ولأهل التأويل أن يقولوا: إنما خص هذه القصة لأن ناقة الله هي البدن وعبر بصالح عن الروح، ولما كانت قصة ثمود مناسبة لأحوال النفس الإنسانية كما مرت في التأويلات، وكانت هذه السورة مسوقة لبيان مراتب النفس في السعادة والشقاوة، وخصت القصة بالذكر لذلك، وعلى هذا التأويل قد يراد بالشمس تجلي النفس الناطقة على البدن بالتدبير الكامل، وبالقمر الروح الحيواني. أو شمس المعرفة، وقمر المكاشفة، ونهار وليل المحو، وسماء الروح وأرض القلب كما مر مراراً. والطغوى اسم من الطغيان كالتقوى من الوقاية قلبت ياؤه واواً فرقاً بين ما هي اسم وبين ما هي صفة كقولهم (امرأة خزياً وصدياً) والباء للآلة أي فعلت التكذيب بواسطة طغيانها.
وقيل: المضاف محذوف والمجموع صفة للعذاب والباء للإلصاق أي كذبت ثمود بما أوعدت من العذاب ذي الطغوى كقوله: {فأهلكوا بالطاغية} [الحاقة: 5] والأول أوضح لئلا يكون قوله: {فكذبوه} تكراراً. ومعنى {انبعث} تحركت داعيته وقوي عزمه على العقر.
{وأشقاها} عاقر الناقة قدار بن سالف، أو هو مع من ساعده على ذلك فإن أفعل التفضيل يجوز أن لا يفرق فيه بين الواحد. والجمع وعلى هذا يجوز أن يكون الضمير في {لهم} عائداً إلى الجماعة الأشقياء، وعلى الأول يكون عائداً إلى قوم صالح. و{ناقة الله} نصب على التحذير أي احذروا عقرها {وسقياها} فلا تعتدوا بها فإن لها شرباً ولكم شرب يوم {فكذبوه} فيام أوعدهم به من نزول العذاب إن فعلوا فعقروا الناقة {فدمدم} أي فأطبق {عليهم} العذاب.
قالوا: هو مضعف من قولهم (ناقة مدمدمة) إذا ألبست الشحم.
والباء في {بذنبهم} للسببية فسوى الدمدمة بينهم بحيث لم يهرب منها أحد {ولا يخاف عقباها} كما يخاف ملوك الدنيا فينزجر عن استيفاء العقوبة. وجوز أن يكون الضمير لثمود أي فسواها بالأرض، أو في الهلاك ولا يخاف تبعه بهلاكها وهو تعالى أعلم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة الشمس:
مكية.
وهي خمس عشرة آية.
وأربع وخمسون كلمة.
ومائتان وسبعة وأربعون حرفاً.
{بسم الله} الذي له الأسماء الحسنى {الرحمن} الذي يعلم السرّ وأخفى {الرحيم} الذي خص خواصه بالفردوس الأعلى.
وقوله تعالى: {والشمس}، أي: الجامعة بين النفع والضرّ، بالنور والحرّ {وضحاها} قسم وقد تقدّم الكلام على أن الله تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته وقيل: التقدير ورب الشمس إلى تمام القسم. واختلف في قوله تعالى: {وضحاها} فقال مجاهد والكلبي: ضوءها وقال قتادة: هو النهار كله.
وقال مقاتل: هو حرّها، وقال لقوله تعالى في طه: {ولا تضحى} (طه)، أي: لا يؤذيك الحرّ.
وقال البريدي: انبساطها.
قال الرازي: إنما أقسم بالشمس لكثرة ما يتعلق بها من المصالح، فإن أهل العالم كانوا كالأموات في الليل، فلما ظهر الصبح في المشرق صار ذلك الضوء كالروح الذي تنفخ فيه الحياة فصارت الأموات أحياء، ولا تزال تلك الحياة في القوّة والزيادة إلى غاية كمالها وقت الضحوة، وذلك يشبه استقرار أهل الجنة.
{والقمر}، أي: المكتسب من نورها كما أن أنوار النفوس من أنوار العقول {إذا تلاها}، أي: تبعها، وذلك إذا سقطت رؤى الهلال.
قال الليث: يقال تلوت فلاناً إذا اتبعته.
وقال ابن زيد: إذا غربت الشمس في النصف الأول من الشهر تلاها القمر بالطلوع وفي آخر الشهر يتلوها بالغروب.
وقال الفرّاء: {تلاها}، أي: أخذ منها يعني أن القمر يأخذ من ضوء الشمس.
وقال الزجاج: {تلاها}، أي: حين استوى ودار وكان مثلها في الضياء والنور وذلك في الليالي البيض.
{والنهار}، أي: الذي هو محل الانتشار فيما جرت به الأقدار {إذا جلاها}، أي: الشمس بارتفاعه لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء وقيل: الضمير للظلمة أو للدنيا أو للأرض وإن لم يجر لها ذكر، كقولهم: أصبحت باردة يريدون الغداة، وأرسلت يريدون السماء.
{والليل}، أي: الذي هو ضدّ النهار فهو محل السكون والانقباض {إذا يغشاها}، أي: يغطيها بظلمته فتغيب وتظلم الآفاق وقيل: الكتابة للأرض، أي: يغشى الدنيا بالظلمة فتظلم الآفاق فالكناية ترجع إلى غير مذكور، وجيء {يغشاها} مضارعاً دون ما قبله وما بعده مراعاة للفواصل؛ إذ لو أتى به ماضياً لكان التركيب إذا غشيها فتفوت المناسبة اللفظية بين الفواصل والمقاطع.
تنبيه:
إذا في الثلاثة لمجرّد الظرفية والعامل فيها فعل القسم.
{والسماء وما}، أي: ومن {بناها}، أي: خلقها على هذا السقف المحكم. أقسم تعالى بنفسه وبأعظم مخلوقاته.
وقوله تعالى: {والأرض}، أي: التي هي فراشكم {وما}، أي: ومن {طحاها}، أي: بسطها وسطحها على الماء كذلك.
وكذا قوله تعالى: {ونفس}، أي: أي نفس جمع فيها سبحانه العالم بأسره {وما}، أي: ومن {سواها}، أي: عدلها على هذا القانون الأحكم في أعضائها، وما فيها من الجواهر والأعراض والمعاني وغير ذلك..
فإن قيل: لم نُكرت النفس؟
أجيب: بوجهين:
أحدهما: أنه يريد نفساً خاصة من بين النفوس، وهي نفس آدم عليه السلام، كأنه قال تعالى: وواحدة من النفوس.
ثانيهما: أنه يريد كل نفسٍ، ونكره للتكثير على الطريقة المذكورة في قوله تعالى: {علمت نفس} (التكوير).
وإنما أوثرت ما على من فيما ذكر لإرادة الوصفية بما ضمنا وإن لم يوصف بلفظها؛ إذ المراد أنها تقع على نوع من يعقل وعلى صفته، ولذلك مثلوا بقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم} (النساء).
وقدّروها بأنكحوا الطيب، وهذا تنفرد به ما دون من. وهذه الأسماء كلها مجرورة على القسم.
أقسم الله تعالى بأنواع مخلوقاته المتضمنة للمنافع العظيمة حتى يتأمّل المكلف فيها ويشكر عليها، لأنّ الذي يقسم الله تعالى به يحصل به روح في القلب فتكون الدواعي إلى تأمّله أقرب.
{فألهمها}، أي: النفس {فجورها وتقواها} قال ابن عباس رضي الله عنهما: بين لها الخير والشرّ، وعنه: علمها الطاعة والمعصية.
وعن أبي صالح: عرّفها ما تأتي وما تتقي.
وقال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها.
وقال ابن زيد: جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها للفجور. واختار الزجاج هذا وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان.
قال البغوي: وهذا بين أنّ الله تعالى خلق في المؤمن التقوى وفي الكافر الفجور وعن أبي الأسود الدؤلي قال: قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضى عليهم من قدر سبق أو فيما يستقبلونه مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم وثبتت الحجة عليهم؟
قلت: بل شيء قضى عليهم، ومضى عليهم، فقال: أفلا يكون ظلماً؟ قال: ففزعت منه فزعاً شديداً وقلت: إنه ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون} (الأنبياء).
فقال لي سدّدك الله إنما سألتك لأختبر عقلك. إنّ رجلاً من جهينة أو مزينة أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكادحون فيه أشيء قضى الله عليهم من قدر سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وأكدت به الحجة، فقال: في شيء قد مضى عليهم، قال فقلت: ففيم العمل الآن؟ قال: من كان الله خلقه لأحدى المنزلتين يهيئه الله لها. وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها}».
وعن جابر قال: «جاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيم العمل اليوم فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، أو فيما يستقبل؟ قال: بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا وكل ميسر لما خلق له».
واختلف في جواب القسم فأكثر المفسرين على أنه: {قد أفلح}، أي: ظفر بجميع المرادات، والأصل: لقد وإنما حذفت لطول الكلام.
وقيل: إنه ليس بجواب وإنما جيء به تابعاً لقوله تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء، والجواب محذوف تقديره: ليدمدمن الله عليهم، أي: أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود؛ لأنهم قد كذبوا صالحاً أو لتبعثن وقيل: هو على التقديم والتأخير من غير حذف.
والمعنى: {قد أفلح من زكاها}، أي: طهرها من الذنوب ونماها وأصلحها، وصفاها تصفية عظيمة مما يسره الله تعالى له من العلوم النافعة والأعمال الصالحة {وقد خاب}، أي: خسر {من دساها}، أي: أغواها إغواءً عظيماً أو أفسدها وأهلكها بخبائث الاعتقادات، ومساوئ الأعمال وقبائح السيئات.
{والشمس وضحاها} وفاعل {زكاها} و{دساها} ضمير {من}، وقيل: ضمير الباري سبحانه، أي: قد أفلح من زكاها بالطاعة، {وقد خاب من دساها}، أي: خسرت نفسٌ دساها الله تعالى بالمعصية. وأنكر الزمخشري على صاحب هذا القول لمنافرته مذهبه، ولكن قال بعض المفسرين: الحق أنه خلاف الظاهر لا كما قاله الزمخشري.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: خابت نفس أضلها الله تعالى وأغواها، وأصل الزكاة النموّ والزيادة، ومنه زكى الزرع إذا كثر ريعه، ومنه تزكية القاضي الشاهد؛ لأنه يرفعه بالتعديل. وأصل {دساها} دسسها من التدسيس، وهو إخفاء الشيء فأبدل من السين الثانية ياء، والمعنى: أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية، وعن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمّ إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهمّ». وفي رواية: «والهرم وعذاب القبر اللهمّ آت نفسي تقواها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهمّ إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها».
{كذبت ثمود} وهم قوم صالح، كذبوا رسولهم صالحاً عليه السلام وأنث فعلهم لضعف أثر تكذيبهم؛ لأنّ كل سامع له يعرف ظلمهم فيه لوضوح آيتهم {بطغواها}، أي: أوقعت التكذيب لرسولها بكل ما أتى به عن الله تعالى، أي: طغيانها.
وقيل: إن الباء للاستعانة.
قال الزمخشري: مثلها في كتبت بالقلم. والطغوى من الطغيان فصلوا بين الاسم والصفة في فعلى من بنات الياء بأن قلبوا الياء واواً في الاسم، وتركوا القلب في الصفة، فقالوا: امرأة خزياً وصدياً، يعني: فعلت التكذيب بطغيانها كما تقول: ظلمني بجراءته على الله تعالى.
وقيل: كذبت بما أوعدت به من عذاب ذي الطغوى كقوله تعالى: {فأهلكوا بالطاغية} (الحاقة).
{إذ}، أي: تحقق تكذيبهم أو طغيانهم بالفعل حين {انبعث أشقاها}، أي: قام وأسرع وذلك أنهم لما كذبوا بالعذاب، وكذبوا صالحاً عليه السلام انبعث أشقى القوم وهو قدار بن سالف وكان رجلاً أشقر أزرق قصيراً فعقر الناقة، وعن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب فذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجل عزيز عارم متبع في أهله مثل أبي زمعة». وقوله: «عارم»، أي: شديد ممتنع.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكونوا جماعة. والتوحيد لتسويتك في أفعل التفضيل إذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
تنبيه:
{إذ} منصوب بـ: {كذبت} أو {بطغواها}.
{فقال لهم}، أي: بسبب الانبعاث أو التكذيب الذي دل على قصدهم لها بالأذى {رسول الله}، أي: صالح عليه السلام، وعبر بالرسول لأنّ وظيفته الإبلاغ والتحذير الذي ذكر هنا، ولذلك قال تعالى مشيراً بحذف العامل إلى ضيق الحال عن ذكره لعظم الهول وسرعة التعذيب عند مسها بالأذى. وزاد في التعظيم بإعادة الجلالة {ناقة الله}، أي: الملك الأعظم الذي له الأمر كله، وهي منصوبة على التحذير كقولك: الأسد الأسد، والصبي الصبي بإضمار اتقوا أو احذروا ناقة الله.
{وسقياها}، أي: وشربها في يومها، وكان لها يوم ولهم يوم؛ لأنهم لما اقترحوا الناقة فأخرجها لهم من الصخرة جعل لهم شرب يوم من بئرهم، ولها شرب يوم فشق عليهم. وإضافة الناقة إلى الله تعالى إضافة تشريف كبيت الله.
{فكذبوه}، أي: صالحاً عليه السلام بطغيانهم في وعيدهم بالعذاب {فعقروها}، أي: عقرها الأشقى بسبب ذلك التكذيب، وأضيف إلى الكل؛ لأنهم رضوا بفعله، وإن كان العاقر جماعة فواضح.
وقال قتادة: بلغنا إنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم.
وقال الفرّاء: عقرها اثنان، والعرب تقول: هذان أفضل الناس وهذان خير الناس، وهذه المرأة أشقى القوم ولهذا لم يقل أشقياها.
{فدمدم} أي فأطبق {عليهم ربهم}، أي: الذي أحسن إليهم فغمرهم إحسانه فقطعه عنهم بسبب تكذيبهم فأهلكهم وأطبق عليهم العذاب، يقال: دمدمت عليه القبر أطبقته عليه {بذنبهم}، أي: بسبب كفرهم وتكذيبهم وعقرهم الناقة.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: {دمدم عليهم ربهم بذنبهم}، أي: بجرمهم.
وقال القشيري: وقيل: دمدمت على الميت التراب، أي: سوّيته عليه. فالمعنى على هذا: فجعلهم تحت التراب، {فسواها}، أي: فسوّى عليهم الأرض فجعلهم تحت التراب وعلى الأوّل فسوّى الدمدمة عليهم، أي: عمهم بها فلم يفلت منهم أحداً.
وقرأ {ولا يخاف} نافع وابن عامر بالفاء، والباقون بالواو فالفاء تقتضي التعقيب، والواو يجوز أن تكون للحال، وأن تكون للاستئناف الإخباري. وضمير الفاعل في {يخاف} الأظهر عوده على الله تعالى؛ لأنه أقرب مذكور، وهو قول ابن عباس، ويؤيده قراءة الفاء المسببة عن الدمدمة والتسوية والهاء في قوله تعالى: {عقباها} ترجع إلى الفعلة، وذلك لأنه تعالى يفعل ذلك بحقَ. وكل من فعل فعلاً يحق فإنه لا يخاف عاقبة فعله.
وقيل: المراد تحقيق ذلك الفعل والله تعالى أجل من أن يوصف بذلك.
وقيل: المعنى أنه تعالى بالغ في الإنذار إليهم مبالغة كمن لا يخاف عاقبة عذابهم.
وقيل: يرجع ذلك إلى رسولهم صالح عليه السلام، أي: لا يخاف عقبى هذه العقوبة لإنذاره إياهم ونجاه الله وأهلكهم.
وقال السدّي: يرجع الضمير إلى {أشقاها}، أي: انبعث لعقرها والحال أنه غير خائف عاقبة هذه الفعلة الشنعاء.
وقرأ الكسائي جميع رؤوس آي هذه السورة بالإمالة محضة، وقرأها أبو عمرو بين بين.
وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين، وأمال حمزة مثل الكسائي إلا {تلاها} و{ضحاها} ففتحهما، والباقون بالفتح واتفقوا على فتح فعقروها..
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة والشمس فكأنما تصدّق بكل شيء طلعت عليه الشمس والقمر» حديث موضوع. اهـ.